فصل: (سورة الرعد: آية 16)

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



{خَوْفًا وَطَمَعًا} لا يصح أن يكونا مفعولا لهما لأنهما ليسا بفعل فاعل الفعل المعلل إلا على تقدير حذف المضاف، أى: إرادة خوف وطمع. أو على معنى إخافة وإطماعًا. ويجوز أن يكونا منتصبين على الحال من البرق، كأنه في نفسه خوف وطمع. أو على: ذا خوف وذا طمع. أو من المخاطبين، أى: خائفين وطامعين. ومعنى الخوف والطمع: أنّ وقوع الصواعق يخاف عند لمع البرق، ويطمع في الغيث. قال أبو الطيب:
فَتى كَالسَّحَابِ الْجُونِ تُخْشَى وَتُرْتَجَى ** يُرْجَى الْحَيَا مِنْهَا وَيُخْشَى الصَّوَاعِقُ

وقيل: يخاف المطر من له فيه ضرر، كالمسافر، ومن له في جرينه التمر والزبيب، ومن له بيت يكف، ومن البلاد مالا ينتفع أهله بالمطر كأهل مصر، ويطمع فيه من له فيه نفع، ويحيا به السَّحابَ اسم الجنس، والواحدة سحابة. و{الثِّقالَ} جمع ثقيلة، لأنك تقول سحابة ثقيلة، وسحاب ثقال، كما تقول: امرأة كريمة ونساء كرام، وهي الثقال بالماء {وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ} ويسبح سامع الرعد من العباد الراجين للمطر حامدين له. أى يضجون بسبحان اللّه والحمد للّه. وعن النبي صلى اللّه عليه وسلم أنه كان يقول «سبحان من يسبح الرعد بحمده» وعن على رضى اللّه عنه: سبحان من سبحت له. وإذا اشتدّ الرعد قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: «اللهمّ لا تقتلنا بغضبك، ولا تهلكنا بعذابك، وعافنا قبل ذلك» وعن ابن عباس أنّ اليهود سألت النبي صلى اللّه عليه وسلم عن الرعد ما هو؟ فقال: «ملك من الملائكة موكل بالسحاب، معه مخاريق من نار يسوق بها السحاب» وعن الحسن: خلق من خلق اللّه ليس بملك. ومن بدع المتصوّفة. الرعد صعقات الملائكة، والبرق زفرات أفئدتهم، والمطر بكاؤهم {وَالْمَلائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ} ويسبح الملائكة من هيبته وإجلاله.
ذكر علمه النافذ في كل شيء واستواء الظاهر والخفي عنده، وما دلّ على قدرته الباهرة ووجدانيته ثم قال وَهُمْ يعنى الذين كفروا وكذّبوا رسول اللّه وأنكروا آياته {يُجادِلُونَ فِي اللَّهِ} حيث ينكرون على رسوله ما يصفه به من القدرة على البعث وإعادة الخلائق بقولهم {مَنْ يُحْييِ الْعِظامَ وَهِيَ رَمِيمٌ} ويردّون الواحدانية باتخاذ الشركاء والأنداد، ويجعلونه بعض الأجسام المتوالدة بقولهم «الملائكة بنات اللّه» فهذا جدالهم بالباطل، كقولهم {وَجادَلُوا بِالْباطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ} وقيل: الواو للحال. أى: فيصيب بها من يشاء في حال جدالهم. وذلك أنّ أربد أخا لبيد ابن ربيعة العامري قال لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم- حين وفد عليه معه عامر بن الطفيل قاصدين لقتله فرمى اللّه عامرًا بغدّة كغدّة البعير وموت في بيت سلولية، وأرسل على أربد صاعقة فقتلته- أخبرنا عن ربنا أمن نحاس هو أم من حديد؟ الْمِحالِ المماحلة، وهي شدّة المماكرة والمكايدة. ومنه: تمحل لكذا، إذا تكلف استعمال الحيلة واجتهد فيه. ومحل بفلان إذا كاده وسعى به إلى السلطان. ومنه الحديث: «و لا تجعله علينا ماحلا مصدّقا» وقال الأعشى:
فَرْعُ نَبْعٍ يَهَشُّ في غُصُنِ الْمَجْ ** دِ غَزِيرُ النّدَى شَدِيدُ الْمِحَالِ

والمعنى أنه شديد المكر والكيد لأعدائه، يأتيهم بالهلكة من حيث. لا يحتسبون. وقرأ الأعرج بفتح الميم، على أنه مفعل، من حال يحول محالا إذا احتال. ومنه: أحول من ذئب، أى أشدّ حيلة. ويجوز أن يكون المعنى: شديد الفقار، ويكون مثلا في القوة والقدرة كما جاء: فساعد اللّه أشدّ، وموساه أحدّ، لأن الحيوان إذا اشتدّ محاله، كان منعوتًا بشدّة القوّة والاضطلاع بما يعجز عنه غيره. ألا ترى إلى قولهم: فقرته الفواقر؟ وذلك أن الفقار عمود الظهر وقوامه.

.[سورة الرعد: آية 14]

{لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا يَسْتَجِيبُونَ لَهُمْ بِشَيْءٍ إِلاَّ كَباسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْماءِ لِيَبْلُغَ فاهُ وَما هُوَ بِبالِغِهِ وَما دُعاءُ الْكافِرِينَ إِلاَّ فِي ضَلالٍ (14)}
{دَعْوَةُ الْحَقِّ} فيه وجهان، أحدهما: أن تضاف الدعوة إلى الحق الذي هو نقيض الباطل، كما تضاف الكلمة إليه في قولك: كلمة الحق، للدلالة على أن الدعوة ملابسة للحق مختصة به، وأنها بمعزل من الباطل. والمعنى أن اللّه سبحانه يدعى فيستجيب الدعوة، ويعطى الداعي سؤاله إن كان مصلحة له، فكانت دعوة ملابسة للحق، لكونه حقيقًا بأن يوجه إليه الدعاء، لما في دعوته من الجدوى والنفع، بخلاف ما لا ينفع ولا يجدى دعاؤه. والثاني: أن تضاف إلى الحق الذي هو اللّه عز وعلا، على معنى: دعوة المدعوّ الحق الذي يسمع فيجيب.
وعن الحسن: الحق هو اللّه، وكلّ دعاء إليه دعوة الحق. فإن قلت: ما وجه اتصال هذين الوصفين بما قبله؟ قلت. أما على قصة أربد فظاهر، لأن إصابته بالصاعقة محال من اللّه ومكر به من حيث لم يشعر. وقد دعا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم عليه وعلى صاحبه بقوله: اللهمّ اخسفهما بما شئت، فأجيب فيهما، فكانت الدعوة دعوة حق. وأما على الأوّل فوعيد للكفرة على مجادلتهم رسول اللّه بحلول محاله بهم، وإجابة دعوة رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أن دعا عليهم فيهم {وَالَّذِينَ يَدْعُونَ} والآلهة الذين يدعوهم الكفار مِنْ دون اللّه {لا يَسْتَجِيبُونَ لَهُمْ بِشَيْءٍ} من طلباتهم {إِلَّا كَباسِطِ كَفَّيْهِ} إلا استجابة كاستجابة باسط كفيه، أى كاستجابة الماء من بسط كفيه إليه يطلب منه أن يبلغ فاه، والماء جماد لا يشعر ببسط كفيه ولا بعطشه وحاجته إليه، ولا يقدر أن يجيب دعاءه ويبلغ فاه، وكذلك ما يدعونه جماد لا يحس بدعائهم ولا يستطيع إجابتهم ولا يقدر على نفعهم. وقيل: شبهوا في قلة جدوى دعائهم لآلهتهم بمن أراد أن يغرف الماء بيديه ليشربه، فبسطهما ناشرًا أصابعه، فلم تلق كفاه منه شيئًا ولم يبلغ طلبته من شربه.
وقرئ: {تدعون}، بالتاء. {كباسط كفيه} بالتنوين {إِلَّا فِي ضَلالٍ} إلا في ضياع لا منفعة فيه، لأنهم إن دعوا اللّه لم يجبهم، وإن دعوا الآلهة لم تستطع إجابتهم.

.[سورة الرعد: آية 15]

{وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَظِلالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ (15)}
{وَلِلَّهِ يَسْجُدُ} أى ينقادون لإحداث ما أراده فيهم من أفعاله، شاءوا أو أبوا. لا يقدرون أن يمتنعوا عليه، وتنقاد له {ظِلالُهُمْ} أيضًا، حيث تتصرف على مشيئته في الامتداد والتقلص، والفيء والزوال. وقرئ: {بالغدوّ والإيصال}، من آصلوا: إذا دخلوا في الأصيل.

.[سورة الرعد: آية 16]

{قُلْ مَنْ رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللَّهُ قُلْ أَفَاتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ لا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ نَفْعًا وَلا ضَرًّا قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُماتُ وَالنُّورُ أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ قُلِ اللَّهُ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْواحِدُ الْقَهَّارُ (16)}
{قُلِ اللَّهُ} حكاية لاعترافهم وتأكيد لم عليهم، لأنه إذا قال لهم: من رب السموات والأرض، لم يكن لهم بدّ من أن يقولوا اللّه. كقوله: {قُلْ مَنْ رَبُّ السَّماواتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ سَيَقُولُونَ لِلَّهِ} وهذا كما يقول المناظر لصاحبه: أهذا قولك، فإذا قال: هذا قولي قال: هذا قولك، فيحكى إقراره تقريرًا له عليه واستيثاقا منه، ثم يقول له: فيلزمك على هذا القول كيت وكيت. ويجوز أن يكون تلقينًا، أى: إن كعوا عن الجواب فلقنهم، فإنهم يتلقنونه ولا يقدرون أن ينكروه {أَفَاتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ} أبعد أن علمتموه رب السموات والأرض اتخذتم من دونه أولياء، فجعلتم ما كان يجب أن يكون سبب التوحيد من علمكم وإقراركم سبب الإشراك {لا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ نَفْعًا وَلا ضَرًّا} لا يستطيعون لأنفسهم أن ينفعوها أو يدفعوا عنها ضررا، فكيف يستطيعونه لغيرهم وقد آثرتموهم على الخالق الرازق المثيب المعاقب، فما أبين ضلالتكم! {أَمْ جَعَلُوا} بل اجعلوا. ومعنى الهمزة الإنكار و{خَلَقُوا} صفة لشركاء، يعنى أنهم لم يتخذوا للّه شركاء خالقين قد خلقوا مثل خلق اللّه فَتَشابَهَ عليهم خلق اللّه وخلقهم، حتى يقولوا: قدر هؤلاء على الخلق كما قدر اللّه عليه، فاستحقوا العبادة، فنتخذهم له شركاء ونعبدهم كما يعبد، إذ لا فرق بين خالق وخالق، ولكنهم اتخذوا له شركاء عاجزين لا يقدرون على ما يقدر عليه الخلق، فضلا أن يقدروا على ما يقدر عليه الخالق {قُلِ اللَّهُ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ} لا خالق غير اللّه، ولا يستقيم أن يكون له شريك في الخلق، فلا يكون له شريك في العبادة {وَهُوَ الْواحِدُ} المتوحد بالربوبية {الْقَهَّارُ} لا يغالب، وما عداه مربوب ومقهور.

.[سورة الرعد: آية 17]

{أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَسالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِها فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَدًا رابِيًا وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغاءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتاعٍ زَبَدٌ مِثْلُهُ كَذلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَالْباطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفاءً وَأَمَّا ما يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ كَذلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثالَ (17)}
هذا مثل ضربه اللّه للحق وأهله والباطل وحزبه، كما ضرب الأعمى والبصير والظلمات والنور مثلا لهما، فمثل الحق وأهله بالماء الذي ينزله من السماء فتسيل به أودية الناس فيحيون به وينفعهم أنواع المنافع، وبالفلز الذي ينتفعون به في صوغ الحليّ منه واتخاذ الأوانى والآلات المختلفة، ولو لم يكن إلا الحديد الذي فيه البأس الشديد لكفى به، وأن ذلك ماكث في الأرض باق بقاء ظاهرًا، يثبت الماء في منافعه. وتبقى آثاره في العيون والبئار والجبوب، والثمار التي تنبت به مما يدّخر ويكنز، وكذلك الجواهر تبقى أزمنة متطاولة. وشبه الباطل في سرعة اضمحلاله ووشك زواله وانسلاخه عن المنفعة، بزيد السيل الذي يرمى به، وبزبد الفلز الذي يطفو فوقه إذا أذيب. فإن قلت: لم نكرت الأودية؟ قلت: لأن المطر لا يأتى إلا على طريق المناوبة بين البقاع، فيسيل بعض أودية الأرض دون بعض. فإن قلت: فما معنى قوله: {بِقَدَرِها}؟
قلت: بمقدارها الذي عرف اللّه أنه نافع للممطور عليهم غير ضارّ. ألا ترى إلى قوله: {وَأَمَّا ما يَنْفَعُ النَّاسَ} لأنه ضرب المطر مثلا للحق، فوجب أن يكون مطرًا خالصًا للنفع خاليًا من المضرة، ولا يكون كبعض الأمطار والسيول الجواحف. فإن قلت: فما فائدة قوله ابْتِغاءَ حلية أو متاع؟ قلت: الفائدة فيه كالفائدة في قوله: {بِقَدَرِها} لأنه جمع الماء والفلز في النفع في قوله: {وَأَمَّا ما يَنْفَعُ النَّاسَ} لأنّ المعنى: وأما ما ينفعهم من الماء والفلز فذكر وجه الانتفاع مما يوقد عليه منه ويذاب، وهو الحلية والمتاع. وقوله: {وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغاءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتاعٍ} عبارة جامعة لأنواع الفلز، مع إظهار الكبرياء في ذكره على وجه التهاون به كما هو هجيرى الملوك، نحو ما جاء في ذكر الآجر {فَأَوْقِدْ لِي يا هامانُ عَلَى الطِّينِ} و{من} لابتداء الغاية. أى: ومنه ينشأ زبد مثل زبد الماء. أو للتبعيض بمعنى وبعضه {زبدًا رابيًا} منفخًا مرتفعًا على وجه السيل، أى يرمى به. وجفأت القدر بزبدها، وأجفأ السيل وأجفل. وفي قراءة رؤبة ابن العجاج: {جفالا}. وعن أبى حاتم: لا يقرأ بقراءة رؤبة، لأنه كان يأكل الفأر. وقرئ: {يوقدون}، بالياء: أى يوقد الناس.

.[سورة الرعد: آية 18]

{لِلَّذِينَ اسْتَجابُوا لِرَبِّهِمُ الْحُسْنى وَالَّذِينَ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُ لَوْ أَنَّ لَهُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لافْتَدَوْا بِهِ أُولئِكَ لَهُمْ سُوءُ الْحِسابِ وَمَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهادُ (18)}
{لِلَّذِينَ اسْتَجابُوا} اللام متعلقة بيضرب، أى كذلك يضرب اللّه الأمثال للمؤمنين الذين استجابوا، وللكافرين الذين لم يستجيبوا، أى: هما مثلا الفريقين. و{الْحُسْنى} صفة لمصدر {استجابوا}، أى: استجابوا الاستجابة الحسنى. وقوله: {لَوْ أَنَّ لَهُمْ} كلام مبتدأ في ذكر ما أعدّ لغير المستجيبين. وقيل: قد تم الكلام عند قوله: {كَذلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثالَ} وما بعده كلام مستأنف. والحسنى: مبتدأ، خبره {لِلَّذِينَ اسْتَجابُوا} والمعنى: لهم المثوبة الحسنى، وهي الجنة {وَالَّذِينَ لَمْ يَسْتَجِيبُوا} مبتدأ خبره. {لو} مع ما في حيزه و{سُوءُ الْحِسابِ} المناقشة فيه. وعن النخعي: أن يحاسب الرجل بذنبه كله لا يغفر منه شيء. اهـ.

.قال النسفي:

سورة الرعد مكية، وهي ثلاث وأربعون آية كوفي، وخمس وأربعون آية شامي.
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
{المر} أنا الله أعلم وأرى عن ابن عباس رضي الله عنهما: {تِلْكَ} إشارة إلى آيات السورة: {آيات الكتاب} أريد بالكتاب السورة أي تلك الآيات آيات السورة الكاملة العجيبة في بابها: {والذي أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ} أي القرآن كله: {الحق} خبر: {والذي}: {ولكن أَكْثَرَ الناس لاَ يُؤْمِنُونَ} فيقولون تقوَّله محمد ثم ذكر ما يوجب الإيمان فقال: {الله الذي رَفَعَ السماوات} أي خلقها مرفوعة لا أن تكون موضوعة فرفعها و: {الله} مبتدأ والخبر: {الذي رفع السماوات}: {بِغَيْرِ عَمَدٍ} حال وهو جمع عماد أو عمود: {تَرَوْنَهَا} الضمير يعود إلى السماوات أي ترونها كذلك فلا حاجة إلى البيان أو إلى عمد فيكون في موضع جر على أنه صفة ل: {عمد} أي بغير عمد مرئية: {ثُمَّ استوى عَلَى العرش} استولى بالاقتدار ونفوذ السلطان: {وَسَخَّرَ الشمس والقمر} لمنافع عباده ومصالح بلاده: {كُلٌّ يَجْرِي لأَجَلٍ مُّسَمًّى} وهو انقضاء الدنيا: {يُدَبِّرُ الأمر} أمر ملكوته وربوبيته: {يُفَصّلُ الآيات} يبين آياته في كتبه المنزلة: {لَعَلَّكُمْ بِلِقَاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ} لعلكم توقنون بأن هذا المدبر والمفصل لابد لكم من الرجوع اليه.
{وَهُوَ الذي مَدَّ الأرض} بسطها: {وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ} جبالًا ثوابت: {وأنهارا} جارية: {وَمِن كُلِّ الثمرات جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ اثنين} أي الأسود والأبيض والحلو والحامض والصغير والكبير وما أشبه ذلك: {يُغْشِي الَّيلَ النَّهارَ} يلبسه مكانه فيصير أسود مظلمًا بعد ما كان أبيض منيرًا.
يغشِّي حمزة وعلي وأبو بكر: {إِنَّ فِي ذلك لآيات لّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} فيعلمون أن لها صانعًا عليمًا حكيمًا قادرًا: {وَفِي الأرض قِطَعٌ متجاورات} بقاع مختلفة مع كونها متجاورة متلاصقة طيبة إلى سبخة وكريمة إلى زهيدة وصلبة إلى رخوة وذلك دليل على قادر مدبر مريد موقع لأفعاله على وجه دون وجه: {وجنات} معطوفة على قطع: {مِّنْ أعناب وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صنوان وَغَيْرُ صنوان} بالرفع مكي وبصري وحفص عطف على: {قطع} غيرهم بالجر بالعطف على: {أعناب}، والصنوان جمع صنو وهي النخلة لها رأسان وأصلها واحد وعن حفص بضم الصاد وهما لغتان: {يسقى بِمَاءٍ واحد} وبالياء عاصم وشامي: {وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا على بَعْضٍ} وبالياء حمزة وعلي: {فِي الأكل} في الثمر.